“لا أصدق أن والدي استشهد وفارقنا، جراء قصف الاحتلال الإسرائيلي مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، لم أودعه ولم أشيع جثمانه، أخبروني أنهم دفنوه بمقبرة جماعية.. لا أستطيع الذهاب إلى منزله أو مكان استشهاده ولا أستوعب حتى اللحظة هول الصدمة”.. بهذه الكلمات يختصر خالد العقاد حاله وحال أهالي القطاع ممن فقدوا ذويهم، جراء حرب الإبادة الجماعية التي يشنها الاحتلال منذ السابع من تشرين الأول الماضي.
ويقول خالد لمراسل سانا: نزحت خلال العدوان من خان يونس إلى رفح وبقي والدي المسن في منزله، ووصلني قبل شهرين نبأ استشهاده برفقة ثمانية من أفراد أسرتي، جراء قصف الاحتلال سيارة كانوا يستقلونها شرق خان يونس.. تطايرت أشلاؤهم في المكان.. وبعد فترة طويلة تمكن الناس من الوصول إليهم، ودفنوهم في قبر جماعي، دون أن يتسنى لي وداعهم.. لم أتقبل حتى اللحظة أن والدي استشهد وأنني لن أراه بعد اليوم.
وأضاف: أبحث عن والدي في شوارع وأزقة رفح، في وجوه المارة علني أجده حياً، لا أستطيع استيعاب فراقه، وأنتظر على أحر من الجمر أن أتمكن من الذهاب إلى مكان المجزرة التي ارتكبها الاحتلال بحقه وحق من معه، أيعقل أنني لن أرى والدي، لن أقبله على رأسه كما كنت، أملي الوحيد أن أرى جثمانه، أي قطعة من ملابسه، أن أودعه”.
آلاف الفلسطينيين في القطاع فقدوا ذويهم ولم يودعوهم، حيث حال النزوح وانقطاع شبكات الاتصالات بينهم وبين عائلاتهم وأخبارها، ليعرفوا بعد فترة طويلة نبأ استشهاد أحبتهم من المستشفيات أو شهود عيان، حيث تم التعرف عليهم من خلال هوياتهم الشخصية، ومن لم يتم العثور على بطاقة هويته بعد استشهاده دفن تحت اسم مجهول الهوية، وما زال الكثير من ذوي هؤلاء متمسكين بأمل أن يكونوا على قيد الحياة.
محمد أبو رجيلة يروي مأساته قائلاً: انهالت قذائف الموت على منازلنا في بلدة خزاعة في خان يونس، استشهد العشرات من أفراد أسرتي وجيراني، أصبت أنا بجروح واستشهدت زوجتي وأطفالي الثلاثة ولم أودعهم أو أشارك في تشييع جثامينهم، هناك المئات من الشهداء مازالوا مفقودين تحت ركام المنازل المدمرة شرق المدينة، الاحتلال نشر رائحة الموت والخراب والدمار في كل مكان، لا أستوعب فقدان جميع أفراد أسرتي وأنني بقيت وحيداً أكابد الألم والفاجعة والحزن.
الحال في شمال قطاع غزة لا يختلف عن جنوبه، حيث ينهش الجوع والمرض مئات آلاف العائلات في بيت حانون وبيت لاهيا وجباليا، كما أن حرب الإبادة طالت جميع العائلات بعضها مسحت بأكملها من السجل المدني، وبعضها بقي منه عدة أفراد يحاولون بصعوبة تقبل فقدان ذويهم ومنازلهم وجميع مقومات الحياة.
محمد حمدين من شمال القطاع، يبين أن 17 من أفراد عائلته استشهد، ولم يودعهم أحد بعد قصف المنزل الذي لجؤوا إليه هرباً من قصف الاحتلال، بينهم والدته وثلاثة من أخوته وأبناء عمومته ويقول: نعيش قهراً كبيراً، الخوف والدم والأشلاء في كل مكان، فقدنا الأهل والمأوى وكل شيء.
وزارة الصحة الفلسطينية تشير إلى أن أكثر من مئة ألف فلسطيني استشهدوا وأصيبوا جراء عدوان الاحتلال المستمر على القطاع، فيما لا يزال هناك أكثر من 7 آلاف مفقود تحت ركام المنازل المدمرة، ولكل شهيد وجريح ولكل فلسطيني في القطاع حكاية ألم ومعاناة وفراق يتحمل المجتمع الدولي وفي مقدمته الولايات المتحدة مسؤولية استمرارها، من خلال التقاعس عن إلزام الاحتلال بوقف عدوانه لوضع حد لتفاقم معاناة أهله.