منذ خيوط الفجر الأولى تجمع عشرات آلاف الفلسطينيين في شارع الرشيد غرب مدينة غزة بانتظار 18 شاحنة مساعدات محملة بالطحين والغذاء بعد أشهر من حرب التجويع، الكثير من الأحلام بإمكانية الحصول على الدقيق لإعداد رغيف خبز يحتاجه الصغار والكبار، وبمعلبات لا تشبع لكنها أفضل من الجوع وأرحم من تناول علف الحيوانات، وآمال كثيرة حملتها ساعات الانتظار الطويل انتهت بمجزرة.
ما إن وصلت الشاحنات وتجمع الفلسطينيون حولها فتحت دبابات الاحتلال نيرانها.. الشهداء في كل مكان.. الطحين انعجن بالدم، وشاحنات المساعدات حملت الجرحى إلى مستشفيات لا دواء فيها ليبقى الحال على ما هو عليه منذ السابع من تشرين الأول الماضي.. لا غذاء ولا حياة.. ولم يشبع الاحتلال بعد من دماء الفلسطينيين في قطاع غزة.
المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان أفاد بأن فريقاً ميدانياً تابعاً له وثق إطلاق دبابات الاحتلال النيران بشكل مباشر باتجاه آلاف الجياع جنوب غرب مدينة غزة، ما أسفر عن استشهاد وجرح نحو 1000 فلسطيني، فيما نقل إفادات من غزة وشمالها بشأن تلقيهم اتصالات هاتفية من قوات الاحتلال خلال الأيام الماضية، تطالبهم فيها بالتوجه إلى وسط وجنوب القطاع من أجل الحصول على الغذاء والماء وتفادي الموت جوعاً.
وقال المرصد: تتعمد “إسرائيل” تعميق أزمة التجويع الكارثية لجميع أهالي القطاع بحرمانهم من المواد التي لا غنى عنها لبقائهم، وتمنع إدخال وتوزيع الإمدادات الإنسانية وخاصة في مدينة غزة وشمالها بهدف تجويع الأهالي وتعريضهم لخطر الهلاك، وهي تستخدم التجويع ليس فقط كأسلوب من أساليب الحرب كجريمة حرب قائمة بحد ذاتها، بل تنفيذاً لجريمة الإبادة الجماعية المتواصلة لليوم الـ 146 بحق أهالي القطاع.
وزارة الصحة الفلسطينية أشارت إلى أن غالبية الإصابات في المجزرة كانت في المناطق العلوية من الجسم ما يؤكد تعمد الاحتلال استهدافهم بشكل مباشر، موضحة أن طواقمها الطبية غير قادرة على التعامل مع حجم ونوعية الإصابات التي تصل إلى مجمع الشفاء الطبي نتيجة النقص الكبير في المستلزمات والأدوية وقلة الكوادر الطبية الأمر الذي سيرفع عدد شهداء المجزرة.
وأكدت الوزارة أن الاحتلال يرتكب عمليات قتل ممنهجة بحق 700 ألف فلسطيني في شمال القطاع بالقصف والتجويع، مطالبة المجتمع الدولي بوقف حرب الإبادة الجماعية التي يشنها الاحتلال بدعم أمريكي وغربي، وضرورة توفير ممر إنساني آمن لإدخال المساعدات الطبية والإنسانية والوقود إلى شمال القطاع.
الرئاسة الفلسطينية أدانت المجزرة البشعة التي ارتكبها الاحتلال، وقالت: إن استشهاد هذا العدد الكبير من المدنيين الأبرياء الذين يخاطرون من أجل لقمة العيش، يعتبر جزءاً لا يتجزأ من حرب الإبادة الجماعية التي يرتكبها الاحتلال بحق شعبنا.
ولفتت الرئاسة إلى أن هذه الجريمة تضاف إلى سلسلة المجازر التي ارتكبها الاحتلال في القطاع منذ بداية عدوانه المتواصل الذي خلف عشرات آلاف الشهداء والجرحى أغلبيتهم من الأطفال والنساء، مشددة على أن الصمت الدولي هو الذي شجع الاحتلال على التمادي في سفك الدم الفلسطيني وارتكاب جرائم إبادة غير مسبوقة في التاريخ الحديث.
رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية قال: ارتكب الاحتلال مجزرة مروعة ورهيبة لم يشهد لها التاريخ الحديث مثيلاً بحق الجائعين الباحثين عن الطعام في شارع الرشيد غرب مدينة غزة، مطالباً بوقف حرب الإبادة التي يذهب ضحيتها مئات الشهداء والجرحى يومياً، وبسرعة إدخال المساعدات الغذائية والدوائية والإغاثية الى القطاع، ولا سيما في الشمال الذي يعاني فيه مئات الآلاف من حرب تجويع ممنهجة تفتك بهم وبأطفالهم.
وزارة الخارجية الفلسطينية شددت على أن مجزرة شارع الرشيد تثبت مجدداً أن حكومة الاحتلال لا تهتم بالمناشدات والمطالبات الدولية بحماية المدنيين وتمارس عكسها تماماً، مجددة التأكيد على الوقف الفوري للعدوان الإسرائيلي كسبيل وحيد لحماية الفلسطينيين.
المجلس الوطني الفلسطيني وصف مجزرة شارع الرشيد بالعمل الفاشي الذي يشكل جريمة من جرائم الإبادة الجماعية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، مشيراً إلى أن آلة القتل الإسرائيلية لن تتوقف عن استهداف الأهالي في القطاع، ما دامت لا تجد من يردعها في ظل حالة العجز الدولية التي تصطدم بالفيتو الأمريكي وبصمت الدول الكبرى.
وطالب المجلس المجتمع الدولي بضرورة إدخال المساعدات الإنسانية الغذائية والطبية إلى قطاع غزة، وخاصة إلى مناطق الشمال بشكل عاجل، وإنهاء حرب التجويع الإسرائيلية بحق 2.4 مليون فلسطيني يعانون المجاعة وفقاً لبرنامج الأغذية العالمي.
وأدانت سورية بشدة الجريمة الوحشية التي ارتكبها الاحتلال، مشيرة إلى أن معظم دول وشعوب العالم احتجت على مواصلته الإبادة الجماعية في القطاع، وأصدرت محكمة العدل الدولية أوامر ملزمة لوقف مجازره إلا أن كيان الاحتلال مدعوماً من الولايات المتحدة يؤكد أنه لن ينصاع للشرعية الدولية وقراراتها.
وشددت سورية على أن الحد الأدنى المطلوب من كل شعوب العالم والدول الأعضاء في الأمم المتحدة هو التدخل فوراً لوقف نكبة إسرائيلية جديدة بحق الشعب الفلسطيني ووقف المخططات الصهيونية الهادفة بشكل أساسي إلى تهجير الفلسطينيين من أرضهم وممتلكاتهم، وإجبار الاحتلال على السماح بإيصال المساعدات الإنسانية إلى الفلسطينيين في قطاع غزة دون قيد أو شرط.
كما أدانت دول عدة استهداف الاحتلال الوحشي للفلسطينيين، لافتة إلى أنه يشكل انتهاكاً صارخاً وفاضحاً للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني في ظل غياب موقف دولي يوقف هذه الحرب والمجازر التي يرتكبها الاحتلال بحق الفلسطينيين، وعجز مجلس الأمن عن اتخاذ قرار بوقف العدوان بشكل فوري لوضع حد لجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية المتواصلة في قطاع غزة.