“الجوع قتل الكبار والصغار.. لا يوجد أي شيء نأكله في شمال قطاع غزة.. لا خضار ولا معلبات.. تحركوا لنصرتنا.. لم نعد قادرين حتى على التنفس”، هي استغاثة مسنة فلسطينية بوجه شاحب وجسد هزيل اجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي، علّ المجتمع الدولي يتحرك لوضع حد للمجاعة التي تفتك بالقطاع وخاصة شماله ومدينة غزة جراء عدوان الاحتلال الإسرائيلي المتواصل وإغلاقه جميع المعابر ومنعه إدخال المساعدات.
استغاثات أخرى لأطفال تحولوا إلى هياكل عظمية وبالكاد يقدرون على الكلام، يحملون صحوناً فارغة ويبكون في رحلة البحث عن الطعام، بعضهم مصاب بالسرطان وآخرون بأمراض مزمنة أخرى، مقاطع فيديو لأطفال رضع لا يتجاوز وزن الواحد منهم 2 كيلوغرام بأضلاع بارزة وعيون غائرة وجلد متجعد، مقاطع أخرى لأمهات وآباء يبكون أطفالهم الذين ماتوا بسبب الجوع، تشاركها شعوب العالم منذ أيام على مواقع التواصل تحت هاشتاغ “شمال غزة يموت جوعاً”، تحذيرات أممية يومية من مخاطر المجاعة ودعوات لضرورة الإسراع بإدخال المساعدات، دون أن يشكل ذلك أي ضغط على الاحتلال الذي تمنحه الولايات المتحدة الضوء الأخضر لقتل الفلسطينيين بكل أنواع الأسلحة وبالتجويع الذي لا يقل فتكاً عن القنابل والصواريخ.
المكتب الإعلامي في غزة حذر من أن القطاع يتجه بشكل متسارع نحو مجاعة حقيقية وخاصة في غزة والشمال، جراء القرار الأمريكي والإسرائيلي بمنع إدخال الغذاء والدواء في إطار حرب الإبادة الجماعية على القطاع، مبيناً أن المجاعة تهدد حياة الفلسطينيين، ما ينذر بارتفاع أعداد الوفيات بسبب الجوع، وخاصة بين أكثر من مليون طفل هم تحت التهديد المباشر لسوء التغذية من بينهم 3500 طفل أقرب للموت منهم إلى الحياة.
وأوضح المكتب أن الاحتلال أغلق معبر رفح منذ اقتحامه واستيلائه عليه في السابع من أيار الماضي، في انتهاك واضح للقانون الدولي، وقبل أيام قامت قواته بتجريف وإحراق المعبر، وبثت مقاطع فيديو تظهر حجم الدمار الكارثي وفداحة الجريمة التاريخية التي أدت إلى إخراج المعبر من الخدمة بشكل نهائي، ليحرم الاحتلال بذلك 25 ألف مريض وجريح من السفر لتلقي العلاج في الخارج، بعد تعمده القضاء على المنظومة الصحية في القطاع وإخراجها من الخدمة، بهدف الوصول إلى جعل القطاع غير صالح للحياة وبالتالي تنفيذ خطط الاحتلال لتهجير أهله.
وأشار المكتب إلى أن الاحتلال بإحراقه معبر رفح وإغلاقه معبر كرم أبو سالم يمنع إدخال أكثر من 15 ألف شاحنة مساعدات عالقة في المعابر، ما يعني حكماً بالإعدام على أهالي القطاع الذين يعتمدون بشكل كامل على المساعدات منذ بدء العدوان الإسرائيلي في السابع من تشرين الأول الماضي.
وبين المكتب أن الرصيف الأمريكي المائي العائم قبالة سواحل القطاع الذي زعمت واشنطن أنه يهدف لإيصال المساعدات الإنسانية، ما هو إلا تضليل ومحاولة فاشلة لتحسين الوجه القبيح للإدارة الأمريكية التي تشارك في جريمة الإبادة الجماعية، حيث أكدت الوقائع أن هذا الرصيف لم يقدم شيئاً في إطار إنهاء جريمة التجويع، فالمجاعة تتفاقم بشكل خطير وخاصة في غزة والشمال، حيث يهدد الموت جوعاً 700 ألف فلسطيني وفي مقدمتهم المرضى والأطفال.
منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسيف” أوضحت أن تحليل خمس مجموعات من البيانات التي جمعت بين كانون الأول ونيسان الماضيين، بين أن 9 من كل 10 أطفال في القطاع يعانون فقراً غذائياً حاداً، ولا يتناولون العناصر الغذائية الكافية لضمان نموهم وتطورهم بشكل صحي، مشيرة إلى أن القصف المستمر والقيود التي يفرضها الاحتلال على المساعدات أدى إلى انهيار النظامين الغذائي والصحي، ما يؤدي إلى عواقب كارثية على الأطفال وأسرهم.
وقالت المديرة الإقليمية لليونيسيف في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أديل خضر: إن الصور المروعة من غزة تظهر أطفالاً يموتون أمام أعين أسرهم، بسبب استمرار نقص الغذاء وإمدادات التغذية، وتدمير خدمات الرعاية الصحية، محذرة من أنه ما لم يتم استئناف العلاج بسرعة لثلاثة آلاف طفل مصابين بسوء التغذية فإنهم معرضون فوراً للإصابة بأمراض خطيرة وبمضاعفات تهدد حياتهم”.
مبادرة التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي التي تضم خبراء من المنظمات التابعة للأمم المتحدة ومن منظمات إغاثة دولية، أشارت إلى أن أهالي قطاع غزة البالغ عددهم 2.4 مليون فلسطيني يواجهون الشكل الأكثر حدة من سوء التغذية الذي تصنفه المبادرة “كارثة أو مجاعة”، بينما أكد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية أن عدداً كبيراً من الأسر في جنوب القطاع يتناول وجبة واحدة كل يومين أو ثلاثة، وأن الأسر تعتمد على تقاسم الطعام مع بعضها البعض.
المرصد الأورومتوسطي جدد الدعوة التي سبق وأطلقها في أيار الماضي مع 70 منظمة حقوقية لإعلان المجاعة رسمياً في قطاع غزة، مبيناً أن مستويات انعدام الأمن الغذائي تتفاقم بشكل مضطرد في جميع أنحاء القطاع، نتيجة إصرار الاحتلال الإسرائيلي على مواصلة جريمة التجويع، واستخدامه كسلاح حرب عبر منع إدخال الإمدادات الإنسانية وإغلاق المعابر وفرض الحصار المشدد.
ولفت المرصد إلى أنه وثق 49 حالة وفاة بين الأطفال في القطاع بفعل الجوع وانعدام الأمن الغذائي، مبيناً أن الاحتلال حرم القطاع من السلة الغذائية بتدميره أكثر من 75 بالمئة من الأراضي الزراعية، إضافة إلى تدميره جميع مقومات الإنتاج الغذائي المحلي بالتوازي مع الحصار، ما يتطلب تحركاً دولياً عاجلاً لضمان تسهيل العمليات الإنسانية في القطاع والسماح بدخول المواد المنقذة للحياة.
استغاثات ومناشدات الفلسطينيين طيلة أيام العدوان وحرب الإبادة الجماعية الـ 263 لوقف العدوان لم تلق استجابة حقيقية من المجتمع الدولي رغم أن عدد الضحايا تجاوز الـ 134 ألفاً بين شهيد ومفقود وجريح، فضلاً عن تجويع وتهجير مئات الآلاف، حيث تقتصر ردة فعله على الشجب والتنديد والاستنكار، وفي أفضل الأحوال إصدار مؤسساته الأممية قرارات بوقف العدوان وإدخال المساعدات، لم تجد طريقها إلى التنفيذ بسبب تجاهل الاحتلال لها، مدعوماً من الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين الذين يدعون حرصهم على حقوق الإنسان، في حين أن دماء الفلسطينيين التي تهرق كل يوم لم تحرك مشاعرهم ولا تعني لهم شيئاً.