عقد مجلس الأمن الدولي مساء اليوم جلسة طارئة لبحث مشروع قرار تقدمت به الإمارات العربية المتحدة يطالب بوقف عدوان الاحتلال الإسرائيلي المتواصل على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة المنكوب، وذلك بعد تفعيل الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش المادة الـ 99 من الميثاق التي تخوله لفت انتباه المجلس إلى أي مسألة يرى أنها قد تهدد حماية السلم والأمن الدوليين.
وفي كلمته بمستهل الجلسة، شدد غوتيريش على ضرورة أن يفعل المجتمع الدولي كل ما يمكن لإنهاء مأساة الفلسطينيين في قطاع غزة، داعياً مجلس الأمن إلى عدم ادخار أي جهد للدفع من أجل وقف فوري لإطلاق النار لأسباب إنسانية وحماية المدنيين والإدخال العاجل للإغاثة المنقذة للحياة، مشيرا إلى أن هناك خطراً مرتفعاً من أن تنهار منظومة الدعم الإنساني في قطاع غزة ويسبب ذلك نزوحاً جماعياً منه الأمر الذي ستكون له نتائج كارثية على المنطقة برمتها.
وقال غوتيريش: “إن مجلس الأمن دعا إلى زيادة توفير المساعدات للاستجابة للحاجات الإنسانية، إلا أن الظروف الميدانية الراهنة تجعل من المستحيل الاطلاع بهذه الولاية، حيث أن ظروف توفير المساعدات الإنسانية بشكل فعال لم تعد قائمة، والناس يشعرون باليأس والخوف والغضب، وكل ذلك يحصل وسط كابوس إنساني متفاقم، حيث قتل أكثر من 17 ألف فلسطيني منذ السابع من تشرين الأول الماضي وعشرات الآلاف أصيبوا وهناك آلاف المفقودين وهم على الأرجح تحت الركام، وكل هذه الأرقام تزداد يوماً بعد يوم”.
وأضاف: “يطلب من سكان غزة أن ينتقلوا إلى جنوب القطاع من دون أدنى مقومات للحياة، وما من مكان في غزة آمن، حيث 88 من مراكز الإيواء التابعة للأمم المتحدة تعرضت للقصف، وهذه المراكز مكتظة وغير صحية، والأشخاص يضمدون الجراح النازفة، والعائلات خسرت كل شيء، والكثير من الأسر النازحة بما فيها الأطفال والمسنون والنساء الحوامل وذوو الإعاقة ينامون في الشوارع وفي الساحات العامة”.
وأوضح غوتيريش أن نصف عدد أهالي شمال القطاع وثلث النازحين في جنوبه يعانون مجاعة حقيقية، ومخزون الغذاء لدى برنامج الأغذية العالمي بدأ ينفد في الشمال، لافتاً إلى تحذيرات صادرة عن البرنامج تشير إلى وجود خطر حقيقي من وقوع المجاعة في قطاع غزة، حيث 97 بالمئة من الأسر في شمال غزة لا تأكل بما فيه الكفاية، وفي الجنوب فإن النسبة بين صفوف النازحين تصل إلى 83 بالمئة.
من جهته أكد مندوب فلسطين الدائم لدى الأمم المتحدة رياض منصور أن وقف إطلاق النار هو الطريقة الوحيدة لوضع حد للجرائم والإبادة الجماعية التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة المنكوب، مبيناً أن الاحتلال اعتدى وحاصر ودمر معظم المستشفيات في قطاع غزة، وقصف المخابز، واعتدى على مراكز الإيواء التابعة للأمم المتحدة وهاجم الصحفيين وقطع الكهرباء ووضع كل حاجز ممكن أمام وصول المساعدات الإنسانية، بهدف التطهير العرقي بحق الشعب الفلسطيني في القطاع.
وخاطب منصور أعضاء المجلس قائلا: عندما ترفضون الدعوة إلى وقف إطلاق النار، فإنكم ترفضون الطريقة الوحيدة التي يمكن أن تضع حداً لجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية، مشيراً إلى أن الاحتلال الإسرائيلي يرتكب الفظائع، ويسعى إلى تهجير الشعب الفلسطيني.
وأضاف منصور: العار هو على الذين يرفضون الاستجابة إلى وقف إطلاق النار، فهدف الاحتلال واضح وهو إجبار الشعب الفلسطيني على النزوح، وما يحصل يؤكد ذلك، حيث يجعل الحياة مستحيلة للجميع في غزة، ويجبر الأهالي على النزوح جنوباً ثم يشن هجوماً شاملاً على الجنوب لقتلهم أو تهجيرهم خارج القطاع، مشدداً على أن العدوان الإسرائيلي جزء من محاولة إنهاء الشعب الفلسطيني كأمة، وتقويض قضية فلسطين، وعلى أعضاء مجلس الأمن أن يقفوا ضد هذه الحرب.
وتابع منصور: توقفوا عن إعادة كتابة القانون الدولي ليتناسب مع الجرائم الإسرائيلية، وتوقفوا عن الدعوة إلى احترام القانون الدولي بينما تدعمون عدواناً مزقه إلى أشلاء، مضيفاً: أظهروا لشعبنا الفلسطيني الاحترام، ليس بالقول بل بالأفعال، والمطالبة بوقف إطلاق النار واجب عليكم لإنقاذ أرواح مئات آلاف الفلسطينيين في القطاع.
بدوره شدد نائب مندوب دولة الإمارات محمد عيسى أبو شهاب على أن الوقف الفوري لإطلاق النار هو الوسيلة الوحيدة لإنهاء المعاناة في قطاع غزة، وقال: “على الرغم من الهدنة المؤقتة الأخيرة، إلا أن العنف والخطر على المدنيين لم يهدأ، ولا يوجد فعلياً ملاذاً آمناً لملايين الأشخاص المحاصرين والمعرضين للهجوم”.
وأكد أبو شهاب أن اللجوء إلى المادة الـ 99 في الميثاق يجب أن تكون نقطة تحول في هذا المجال، ويجب التفكير في مأساة غزة الفظيعة، مطالباً بضرورة الوقف الفوري لإطلاق النار فهو الوسيلة الوحيدة لإنهاء هذه المعاناة.
نائب مندوب روسيا لدى الأمم المتحدة، دميتري بوليانسكي، قال: إن “مجلس الأمن أمام لحظة صدق وحق، وما من شك أن أكثر أمر ملح ينبغي للمجلس أن يفعله هو الدعوة لهدنة إنسانية، فالمدنيون في أنحاء غزة يواجهون خطراً كبيراً، فيما تنهار منظومة الرعاية الصحية، وتحولت المستشفيات إلى ميادين قتال، ولا حماية للمدنيين، وما من مكان آمن في غزة في ظل القصف الإسرائيلي المكثف، الأمر الذي يجعل من إيصال المساعدات المحدودة مستحيلة”.
وشدد بوليانسكي على أن القصف الإسرائيلي واستهداف الأعيان المدنية، يهدف إلى تنفيذ استراتيجية لتهجير الفلسطينيين، عبر جعل الحياة غير قابلة للاستمرار واضطرار السكان إلى خيار واحد وهو ترك وطنهم أو مواجهة الموت، مشيراً إلى أن هذه الاستراتيجية غير الإنسانية تعد جريمة حرب وفيها انتهاك لكل مواد اتفاقيات جنيف، فالقصف والتهديد بالعنف ونشر الرعب والإرهاب يعد جرائم حرب ترتكب أمام أعين المجتمع الدولي بأسلحة من دول غربية أهمها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وبدعم سياسي منهما.
وأعرب بوليانسكي عن الأسف لأن مجلس الأمن لم يستطع أن يطالب بوقف العدوان بسبب ضغط الولايات المتحدة التي منعت صدور أي قرار من المجلس يكفل ذلك، رغم تصويت أغلب الدول في الجمعية العامة للأمم المتحدة على قرار يدعو إلى وقف إطلاق النار، وقال: “علينا أن ننفذ ما ينتظره منا المجتمع الدولي وأن نعتمد مشروع القرار الذي قدمته دولة الإمارات العربية المتحدة”.
مندوب الصين الدائم لدى الأمم المتحدة تشانغ جون أوضح أن مشروع القرار الذي قدمته الإمارات وتدعمه الصين وتشارك في رعايته يعكس تطلعات المجتمع الدولي، لأن الوقف الفوري لإطلاق النار هو وحده الذي سينقذ الأرواح، محذراً من أن هناك أزمة أكبر وشيكة فالسلام والأمن الإقليميان على شفا الهاوية والعالم يراقب، ما يفرض على الدول الأعضاء في مجلس الأمن أن تتحرك.