طلاب الشهادة الثانوية في غزة… أحلام مؤجلة حتى انتهاء حرب الإبادة
  • 2024-06-25

“أعيش اليوم في مدرسة في صف كان من المفترض أن أقدم فيه امتحانات الشهادة الثانوية التي بدأت قبل يومين.. لكن بسبب حرب الإبادة التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي منذ نحو تسعة أشهر لم نقدم أنا وجميع طلاب الثانوية في قطاع غزة الامتحانات.. قارب هذا العام الدراسي على الانتهاء وبعد شهرين سيبدأ عام دراسي جديد ولم تنته الحرب”، تحاول دعاء أكرم جاهدة حبس دموعها لكن الغصة تبقى واضحة كتعبير صارخ عن الحسرة على حلم اجتياز الثانوية الذي ينتظره جميع الطلاب بفارغ الصبر، وعلى كل الأحلام التي دمرها الاحتلال كما دمر كل شيء في القطاع.

وتضيف دعاء في مقطع فيديو انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي: “بسبب فقدان الغاز والحطب مرت علي أوقات أجبرت فيها للأسف على حرق عدد من كتبي.. خسرت بعضها وأرجو ألا تجبرني الظروف على خسارة ما تبقى.. أنا حزينة جداً، فزملائي في الضفة الغربية يقدمون امتحاناتهم، وأنا هنا في مكاني لا أستطيع تقديمها.. لا يوجد الآن طموح.. لكن قبل الحرب كنت آمل أن أدرس الطب خارج القطاع.. اليوم لا أستطيع إلا الانتظار.. بعد الحرب لن أسافر وقد أغير التخصص لأن غزة تحتاج من يبنيها.. سأحاول بكل طاقتي أن أساعدها”.

طالب آخر يقول: “في هذه الفترة كان يفترض أن أقدم الامتحانات لكنني محروم  من تقديمها.. أستيقظ كل يوم صباحاً أبحث عن مياه تصلح لاستخداماتنا اليومية، ثم يأتي دور البحث عن مياه الشرب، وتالياً عن مصدر لشحن الجوالات، وعندما أنتهي أتابع الأخبار بحثاً عن أي شيء يبعث على الأمل.. أنا محبط جداً الآن، منذ بدء الحرب ورغم النزوح كنت أدرس على أمل أن أقدم الامتحان، فالشهادة الثانوية كما يقولون تفصل بين حياة الطفولة والشباب، هي بداية المستقبل.. كنت أريد أن أتعلم وأريد الكثير من الأشياء.. اليوم خسرت كل شيء والآن أتكيف مع كوني أعيش في خيمة تحت القصف”.

“أمر مروع ومحزن”… هكذا وصفت وكالة الأونروا حرمان الاحتلال 39 ألف طالب ثانوية في القطاع من الامتحانات، حيث أشار مدير التخطيط فيها سام روز إلى أن الحرب تسببت بحرمان أكثر من نصف مليون طفل في القطاع من التعليم على مدى 8 أشهر، مضيفاً: “هذا الأمر يضاعف حزننا.. من المروع أن هؤلاء الأطفال علاوة على كل شيء آخر، محرومون من فرصة التعلم”.

المكتب الإعلامي في غزة أوضح أن الدورة الأولى لامتحانات الثانوية انطلقت في فلسطين السبت الماضي في الوقت الذي يحرم فيه أكثر من 800 ألف طالب وطالبة من مختلف المراحل التعليمية في القطاع من حقهم في التعليم، بعد انقطاعهم عن الدراسة منذ بدء حرب الإبادة الجماعية التي يشنها الاحتلال على القطاع، من ضمنهم 39 ألف طالب وطالبة في الثانوية بفروعها المختلفة، لن يتمكنوا من الالتحاق بالدورة الأولى للامتحانات، ما يمثل سابقة وانتهاكاً خطيراً يتهدد مستقبلهم ويقوض فرص التحاقهم بالجامعات.

وأشار المكتب إلى أن الاحتلال تعمد منذ بداية الحرب استهداف جميع أهالي القطاع، فاستشهد وأصيب واعتقل عشرات الآلاف من بينهم آلاف الطلبة وعاملون في مجال التعليم، بينما خرجت أكثر من 85 بالمئة من المنشآت التعليمية من الخدمة نتيجة لاستهدافها المباشر والمتعمد ما يشكل تحدياً كبيراً لجهود استئناف العملية التعليمية بعد انتهاء العدوان.

وزارة التربية والتعليم الفلسطينية أوضحت أن امتحانات الثانوية انطلقت في الضفة الغربية فقط دون قطاع غزة وفي ظروف غاية في التعقيد، حيث حرم الاحتلال طلبة القطاع من تقديم الامتحانات، مشيرة إلى أن 450 طالباً كان من المفترض أن يتقدموا لامتحانات الثانوية، لكنهم استشهدوا بنيران الاحتلال بينهم 430 طالباً في القطاع، و20 في الضفة، فيما يواصل الاحتلال اعتقال 55 طالباً من الضفة ويحرمهم من تقديم الامتحانات.

رئيس الوزراء الفلسطيني محمد مصطفى لفت إلى أن انطلاق امتحانات الثانوية رسالة بأن التعليم هو السلاح الأول في مواجهة الاحتلال وتحقيق الاستقلال، وأن التمسك به هو حبل النجاة الذي يستطيع الشعب الفلسطيني من خلاله تحدي جميع الصعاب، مبيناً أن وزارة التربية والتعليم تبذل جهوداً كبيرة من أجل تعويض طلاب القطاع خلال الفترة القادمة عما فاتهم سابقاً.

39 ألف طالب ثانوية لم تحرمهم حرب الإبادة الجماعية المتواصلة من حقهم في التعليم فقط، بل حرمت كثيراً منهم من عدد من ذويهم وأصدقائهم.. من بيوتهم.. من حقهم في الغذاء وتلقي العلاج.. حولتهم إلى مهجرين قسراً من خيمة إلى أخرى، بحثاً عن الأمان رغم أنه لا مكان آمناً في القطاع.. بدلاً من التفرغ للدراسة باتوا معيلين لأسرهم يساعدون في تأمين احتياجاتها، لكنهم ورغم كل شيء ورغم تقاعس المجتمع الدولي عن إلزام الاحتلال بوقف العدوان، ورغم مواصلة الولايات المتحدة إمداده بالسلاح لحصد المزيد من الأرواح وإلحاق دمار أوسع بالقطاع، ما زالوا متمسكين بأحلامهم التي يشددون على أنهم أجلوها فقط، فرغم الحرب والدمار وقسوة العيش سيواصلون الحلم من أجل إعادة إعمار ما دمره الاحتلال.