بمناسبة الذكرى الثمانين للعلاقات السورية-الروسية نظم المعهد الدبلوماسي في وزارة الخارجية والمغتربين اليوم ندوة حوارية بعنوان: “سمات وخصائص العلاقات السورية- الروسية”، وذلك في مدرج الوزارة بدمشق.
وأوضح نائب وزير الخارجية والمغتربين بسام صباغ أن العلاقات بين سورية وروسيا مرت منذ إقامتها رسمياً في عام 1944 بمراحل مهمة، أبرزها الدعم الذي قدمه الاتحاد الروسي لسورية منذ عام 2011 حتى الآن، وتحديداً عندما دعم الجيش الروسي الجيش العربي السوري في التصدي للإرهاب، حيث أثمرت الجهود المشتركة في مجال مكافحة الإرهاب عن إعادة الأمن والاستقرار للمدن والقرى التي كانت التنظيمات الإرهابية تعيث فيها دماراً وتخريباً.
وبيّن صباغ أن ذلك ترافق مع دعم سياسي، من خلال استخدام روسيا لحق النقض “الفيتو” في مجلس الأمن الدولي مرات عدة لمنع تمرير المخططات الغربية المعادية لسورية.
وأكد صباغ أن الزيارات المتبادلة بين الرئيسين بشار الأسد وفلاديمير بوتين، والاتفاقيات التي تم توقيعها ساهمت في رفع مستوى العلاقات بين البلدين إلى مستويات مهمة جداً وعلى جميع الصعد، كما تضمنت الاجتماعات الدورية للجنة المشتركة السورية- الروسية تنفيذ الاتفاقيات المتعلقة بالتعاون في المجالات الاقتصادية والتجارية بشكل صحيح، ودعم إعادة إعمار ما دمرته الحرب الإرهابية، إضافة إلى الكثير من المبادرات والمشاريع الثقافية والاجتماعية والإنسانية.
ولفت صباغ إلى أن سورية وروسيا تواجهان اليوم تحديات مشتركة ومتعددة، في مقدمتها الإجراءات القسرية أحادية الجانب التي تفرضها الدول الغربية، بهدف ممارسة الضغط السياسي والاقتصادي عليهما، موضحاً أن التغيرات التي يشهدها عالمنا اليوم، وظهور ملامح نظام متعدد الأقطاب، ينهي هيمنة القطبية الأحادية، ويقوم على مبدأ المساواة بين الدول واحترام سيادتها واستقلالها وعدم التدخل في شؤونها الداخلية أو فرض الهيمنة عليها، تبشر بمستقبل أفضل لنا وللبشرية جمعاء.
بدوره مدير الأكاديمية الدبلوماسية الروسية ألكسندر ياكوفينكو أشار إلى أن العالم اليوم يمر بفترة صعبة بسبب محاولات الغرب الجماعي وعلى رأسه الولايات المتحدة عرقلة تشكيل نظام عالمي جديد أكثر استقراراً وعدالة، مبيناً أن روسيا وسورية تقفان اليوم في الخط الأمامي للمعركة من أجل الحق والعدالة في عالمنا، ولا شيء يستطيع أن يعرقل صمودهما.
وثمّن ياكوفينكو موقف سورية الداعم للعملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا، والتي تهدف إلى حماية الشعب الروسي والحضارة الروسية، لافتاً إلى أن موسكو تدعم دائماً سيادة سورية ووحدة وسلامة أراضيها في وجه محاولات الغرب الجماعي فرض مشروع جيوسياسي يؤدي إلى الهيمنة عليها وتدميرها.
وبيّن ياكوفينكو أن دعم روسيا لسورية في حربها ضد الإرهاب وجهودها لإعادة الإعمار دليل على عمق العلاقات الثنائية، لافتاً إلى أن الاتفاق الذي وقعه البلدان العام الماضي بشأن توسيع التعاون التجاري والاقتصادي سيسمح بمواصلة تعزيز العلاقات والتعاون لما فيه مصلحة الشعبين الروسي والسوري.
وأوضح ياكوفينكو أن الجانبين الروسي والسوري يوليان اهتماماً كبيراً لتنمية العلاقات الثقافية والإنسانية والعلمية، حيث يدرس عشرات الآلاف من السوريين في جامعات الاتحاد الروسي، كما أن الاهتمام باللغة الروسية يتزايد في سورية، حيث يدرسها أكثر من 39 ألف طالب.
مشدداً على أن سورية هي حليف روسيا الموثوق والمهم على الساحة الدولية وأن العلاقات بينهما ستستمر في التطور والنمو.
من جانبها الأديبة السورية الدكتورة ناديا خوست أشارت إلى أن مرور 80 عاماً على تأسيس العلاقات السورية- الروسية شهادة بأنها بنيت على أساس متين يقوم على المساواة والاحترام المتبادل ووحدة المواقف تجاه القضايا الكبرى، لافتة إلى أن العلاقات الثقافية المشتركة سبقت تبادل الوفود، حيث ترجم الأدباء السوريون الأدب الروسي الذي يتميّز بكونه أدباً إنسانياً رفيعاً ليشكل جزءاً من ثقافتنا المعاصرة نواجه به الانحطاط العالمي المعاصر، كما نواجهه بالمتنبي والمعري وأعلام الأدب العربي. مبيّنة أن العلاقات بين البلدين تقوم على منظومة قيم أخلاقية رفيعة راسخة في الوجدان العام وتشترك في مقاومة الهجوم الغربي على الهوية الوطنية الثقافية والأخلاقية والأسرية.
بدوره أكد الخبير الاقتصادي الروسي ميخائيل خازن أن الصداقة الموجودة بين شعبي روسيا وسورية ستسمح بالعمل لإنشاء نماذج اقتصادية جديدة وتتيح فرصة للبدء بمسار التنمية البناءة، مشيراً إلى أن كسر النماذج الاقتصادية التي كانت مستعملة في دول العالم منذ عقود صعب جداً ولكن هناك عدد من الدول التي خفضت اعتمادها على نظام الدولار العالمي وهي الدول الموجودة تحت العقوبات الغربية.
وأشار خازن إلى أهمية فهم ما حدث في الماضي وحالياً حول طبيعة الأزمة الاقتصادية الراهنة قبل الحديث عن المستقبل الاقتصادي، موضحاً أنه تم الاستنفاد الكامل للموارد المطلوبة لدعم النظام الاقتصادي الموجود وهي الموارد التي تم خلقها منذ عام 1944 عن طريق إصدار الدولار الأمريكي من خلال نظام بريتن وودز الذي يشمل جميع دول العالم.
ولهذا النظام منعكس سلبي جداً وفقاً لخازن رغم أنه تم إنشاؤه كمنظومة دولية فإن العملة المستعملة ضمن هذا النظام موجودة تحت سلطة سيادية وذلك يؤدي إلى أن دعم نظام الدولار الدولي يعزز تأثير ونفوذ الولايات المتحدة في العالم، معتبراً أن نظام بريتن وودز يقترب من النهاية.
حضر الندوة وزير الإعلام الدكتور بطرس الحلاق ومعاونو وزير الخارجية والمغتربين أيمن رعد وحبيب عباس وعدد من مديري الإدارات في الوزارة وعدد من السفراء وممثلي البعثات الدبلوماسية المعتمدة في سورية.