التاريخ يعيد نفسه بشكل أكثر قسوة وأشد وطأة.. مؤامرة الغرب الاستعماري على الشعب الفلسطيني منذ مطلع القرن الماضي التي أسفرت عن نكبة العام 1948، وزرع الكيان الإسرائيلي الغاصب على أرض فلسطين تتكرر اليوم بعد 76 عاماً مع مواصلة هذه الدول انحيازها للاحتلال، ومده بشتى صنوف الأسلحة للفتك بالشعب الفلسطيني، وخاصة خلال حرب الإبادة الجماعية في قطاع غزة المنكوب.
في الـ 15 من أيار من كل عام يستذكر الفلسطينيون وشعوب العالم النكبة التي هجر فيها الشعب الفلسطيني من أرضه لإحلال جماعات وأفراد من شتى بقاع العالم مكانه، حيث شردت العصابات الصهيونية عام 1948 أكثر من 950 ألف فلسطيني من أصل 1.4 مليون قسراً من 1300 مدينة وقرية إلى مخيمات في الضفة الغربية وقطاع غزة والدول العربية المجاورة، وتم إحلال المستوطنين مكانهم.
النكبة جاءت نتيجة لسنوات طويلة تعرض خلالها الشعب الفلسطيني صاحب الحق التاريخي بالأرض لإرهاب العصابات الصهيونية التي جلبها الاحتلال البريطاني والحركة الصهيونية العالمية إلى فلسطين لطرد أهلها، حيث استولت هذه العصابات على 774 مدينة وقرية دمرت 531 منها وطمست معالمها الحضارية والتاريخية.
بحلول عام 1948 أقام الصهاينة 292 مستعمرة على أرض فلسطين وكونوا عصابات إرهابية يزيد عدد أفرادها على 70 ألفاً أبرزها الهاغاناه والأرغون وشتيرن ارتكبت أكثر من 70 مجزرة وجريمة تطهير عرقي وإبادة جماعية راح ضحيتها أكثر من 15 ألف فلسطيني، وفي الرابع عشر من أيار من العام ذاته وفور انسحاب الاحتلال البريطاني أعلن عن إقامة الكيان الغاصب الذي لا يزال يمارس أبشع الجرائم بحق الشعب الفلسطيني.
الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني أوضح في تقرير بمناسبة ذكرى النكبة أن عدد الشهداء الفلسطينيين منذ عام 1948 حتى اليوم وصل إلى أكثر من 135 ألفاً، منهم 35173 ارتقوا خلال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة المتواصل لليوم الـ 221 معظمهم نساء وأطفال، موضحاً أن الاحتلال اعتقل أكثر من مليون فلسطيني منذ عام 1967، بينهم 9400 ما زالوا يقبعون في معتقلاته، بينهم 80 أسيرة و229 طفلاً، ولا تشمل هذه الأرقام حالات الاعتقال في قطاع غزة خلال العدوان علماً أن عددهم يقدر بالآلاف.
76 عاماً ولم يتحرك المجتمع الدولي للجم الاحتلال وإحقاق حقوق الشعب الفلسطيني رغم مئات القرارات الأممية التي تطالب بإنهاء الاحتلال ووقف الاستيطان وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وضمان عودة اللاجئين إلى ديارهم التي هجرهم الاحتلال منها.
يوم بعد آخر يتحول صمت المجتمع الدولي إلى تواطؤ في ظل حرب الإبادة الجماعية التي يشنها الاحتلال على القطاع مدعوماً من الولايات المتحدة التي تفشل أي جهد دولي لوقف العدوان، حيث استخدمت “الفيتو” خمس مرات لمنع مجلس الأمن من وقفه، ولمنع فلسطين من الحصول على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، رغم ارتكاب الاحتلال أكثر من 3100 مجزرة، ورغم تفعيل الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش للمادة الـ 99 من الميثاق التي تخوله لفت انتباه مجلس الأمن إلى أي مسألة يرى أنها قد تهدد حماية السلم والأمن الدوليين.
مقاطع فيديو تفوق في عددها قدرة أي متابع على إحصائها توثق تهجير الاحتلال مليوني فلسطيني قسراً من منازلهم في القطاع خلال حرب الإبادة.. مسنون تفوق أعمارهم عمر الاحتلال تابع العالم دموعهم وهم يروون أن الألم الذي يعانونه اليوم يفوق ما تعرضوا له خلال النكبة.. أطفال ونساء ورجال.. مرضى وجرحى وذوو احتياجات خاصة يحاولون النجاة من قصف الاحتلال في طرقات مدمرة، بحثاً عن مكان آمن لا وجود له، حيث قسم الاحتلال القطاع إلى مربعات وكأنه رقعة شطرنج يطارد الأهالي فيها من مربع إلى آخر.. الكثير منهم نزح خمس مرات وأكثر.. ولم يجد حتى خيمة تؤويه والكثيرون ارتقوا شهداء أو أصيبوا خلال النزوح فلا مهرب من نيران الاحتلال.
بث مباشر على مدار الساعة منذ السابع من تشرين الأول الماضي تتابعه شعوب العالم.. لا كلمات تصف وحشية مجازر الاحتلال الذي حول القطاع إلى أنقاض وأكوام من الركام يحاصر ويجوع فيها 2.4 مليون فلسطيني ويقتلهم بصواريخه وقذائفه في كل شبر.. تعذبهم قواته وتعتقلهم بالآلاف دون أن يعرف أحد شيئاً عن مصيرهم وأماكن احتجازهم.. وحدها الدماء والدموع وصرخات القهر وسؤال “وين نروح” تسجل مأساة الفلسطينيين على صفحات التاريخ الذي يعيد نفسه ويوثق فصلاً جديداً من فصول النكبة الفلسطينية.
ورغم الفارق بأن لا كاميرات كانت توثق إرهاب الاحتلال قبل 76 عاماً، فيما يتم اليوم توثيق كل شيء بالصوت والصورة ولا مجال للتزييف وقلب الحقائق، إلا أن المجتمع الدولي يواصل التفرج وتستمر واشنطن وحلفاؤها الغربيون بتكبيل مؤسساته ومنعها من اتخاذ أي خطوة فعلية توقف جرائم الاحتلال وتحاسب مرتكبيها، ورغم كل ذلك فإن صدى عذابات الفلسطينيين وجد طريقه إلى ضمير العالم الذي نهضت شعوبه تصرخ في جميع الساحات من أجل إنهاء الاحتلال وإنصاف الشعب الفلسطيني وتثبيت وجوده على أرضه واستعادة حقوقه الوطنية حتى لا تتكرر النكبة.