فلسطين… أسرى يعانقون الحرية وفرحة منقوصة
  • 2023-11-28

“نخجل أن نفرح وفلسطين كلها جريحة”؛ كانت الكلمات الأولى للأسيرة الفلسطينية إسراء الجعابيص عقب تنسمها عبق الحرية، بعد ثمانية أعوام قضتها في معتقلات الاحتلال الإسرائيلي، كلمات هي لسان حال 117 طفلاً أسيراً وأسيرةً، عادوا إلى أحضان عائلاتهم، معربين عن شكرهم للمقاومة والفخر بها، في تأكيد على التمسك بها خياراً لتحرير الأرض والمقدسات، وفك قيد نحو 7000 أسير ما زالوا في المعتقلات.

بالفرح والدموع استقبل الفلسطينيون ثلاث دفعات من الأسرى خلال الأيام الثلاثة الماضية من التهدئة في قطاع غزة المحاصر، على أن تكون هناك دفعة رابعة اليوم، ليصل عدد الأسرى المحررين إلى 150، مقابل إفراج المقاومة عن 50 من محتجزي الاحتلال لديها، لكن الفرحة لم تكتمل، فالأسى خيم على الأجواء حزناً على دماء آلاف الشهداء، والكارثة التي يعيشها أهالي القطاع جراء عدوان الاحتلال عليه منذ السابع من تشرين الأول الماضي.

إجراءات قمعية مشددة فرضها الاحتلال خلال إطلاق سراح الأسرى، حيث اعتدى بالرصاص وقنابل الغاز السام على الأهالي والصحفيين الموجودين في محيط معتقل “عوفر” غرب رام الله أثناء انتظارهم الأسرى المحررين، ما أدى إلى إصابة عدد منهم، وهذه الإجراءات كانت أقسى وأشد فيما يتعلق بأسرى القدس المحتلة، فالقيود لا تفك من أيدي الأسير إلا على عتبات المنزل، ويمنع بأي شكل تجمع العائلة أمام المنزل أو في الساحة الخارجية، حيث تتمركز قوات الاحتلال في كل أحياء المدينة وتقتحم المنازل.

إياد الأعور من أهالي القدس الذي تحرر نجلاه قسام ونصر الله قال: طلبت مني قوات الاحتلال أمس التوجه إلى أحد مواقعها في القدس، ولدى وصولي صادروا هاتفي وهويتي الشخصية، ثم أمروني بعدم تجمع العائلة والأقارب وعدم رفع الأعلام الفلسطينية أو أي لافتات تعبر عن الفرحة، مضيفاً: 21 عائلةً احتجزها الاحتلال في ساحة الانتظار من الصباح حتى المساء، وعند وصول أبنائنا أرغمنا على الصعود إلى سيارات عسكرية لإيصالنا إلى منازلنا، وفي كل سيارة يوجد ثلاثة من قوات الاحتلال، ويجلس أحدهم في المنتصف بين الأسير ووالده أو والدته.

قوات الاحتلال نفذت اقتحامات متكررةً للبلدات ومحيط منازل الأسرى المنتظر تحريرهم في القدس، وقامت بتصوير محيط المنازل وتفتيش مداخل الأحياء والشوارع والتمركز فيها، وكثفت الاقتحامات مع قرب موعد التحرير باقتحام عدد من المنازل وإبعاد الأهالي عن محيطها.

وفي بلدة سلوان جنوب المسجد الأقصى اقتحمت قوات الاحتلال مرات عدةً منازل الأسرى المحررين، واعتدت على الموجودين فيها وتمركزت عند أبوابها، وأزالت الأعلام الفلسطينية المعلقة في الشوارع، وحاولت منع الأهالي من الوصول إلى منازل الأسرى لتهنئتهم.

أما في مدينة جنين ومخيمها فقد حرم الاحتلال الأسرى الأطفال الذين تحرروا من بين قضبان زنازينه أمس من فرح احتضان عائلاتهم والعودة إلى دفء منازلهم، بسبب اقتحام قواته المخيم وتجريف مداخله ومحاصرته من كل الجهات.

وأوضحت والدة الأسير المحرر عبد الكريم السعدي أن العائلة كانت طيلة الوقت على أعصابها، ففي كل ساعة كانت تنشر على مواقع التواصل قائمة بأسماء الأسرى المتوقع تحريرهم، ومع مساء أول أمس وصلت القائمة الأكيدة من نادي الأسير والتي تضم اسم عبد الكريم، وكانت حينها قوات الاحتلال تحاصر مداخل المخيم، وحاولنا الخروج للقائه لكن ذلك لم يكن متاحاً.

وقالت: كان توتري يزداد مع كل ساعة تمر، من جهة لا أستطيع الخروج من المخيم بسبب انتشار قوات الاحتلال، ومن جهة أخرى لا أعرف شيئاً عن طفلي، وبقيت على هذا الوضع حتى ساعات الفجر، حينها شاهدت عبد الكريم على شاشات التلفزة، وبهذه الطريقة فقط تأكدت من إطلاق سراحه.

وأشارت والدة عبد الكريم إلى أنها خلال محاولتها الاتصال هاتفياً بابنها للاطمئنان عليه كانت طائرة مسيرة للاحتلال تقصف المنزل المقابل لمنزلها في المخيم، وقبلها كانت جرافة للاحتلال تجرف الشارع، وقالت: جرفوا الشارع كله ووضعوا الركام أمام باب منزلنا، لا أعرف كيف يمكن أن يصل عبد الكريم إلى هنا، السيارات لا تتمكن من عبور شوارع المخيم، وبالتالي لا يمكن له العودة إلى المنزل.

الأسرى المحررون بدورهم كشفوا بعضاً من أنواع العذاب التي عاشوها في معتقلات الاحتلال من تعذيب نفسي وجسدي وحرمان من الطعام والمياه والاستحمام، وعزلهم عما يدور خارج المعتقل وخاصةً منذ بدء الاحتلال عدوانه على القطاع.

الأسيرة إسراء الجعابيص التي اعتقلها الاحتلال في تشرين الأول عام 2015 بعد إطلاق الرصاص على سيارتها، ما أدى إلى انفجار جرة غاز كانت في السيارة وإصابتها بحروق وجروح بليغة، كانت من بين الأسيرات المحررات مساء السبت، حيث قالت عند وصولها إلى منزلها في القدس: ” نخجل أن نفرح وفلسطين كلها جريحة”، مبينةً أن الأسرى والأسيرات يتعرضون لأبشع أشكال التنكيل والتعذيب، والفتيات يتعرضن لممارسات لا توصف، معربةً عن أملها بتحرير جميع الأسرى.

الأسيرة مرح باكير 23 عاماً تروي تجربتها المريرة في المعتقلات قائلةً: كان عمري 16 عاماً عندما اعتقلتني قوات الاحتلال عام 2015، أطلقوا الرصاص علي خلال عودتي من مدرستي إلى منزلي في حي الشيخ جراح بالقدس، ما أدى إلى تهشم عظام يدي اليسرى من الأصابع حتى الكتف وتلف الأعصاب.

الإهمال الطبي الذي ينتهجه الاحتلال بحق الأسرى لقتلهم ببطء، فضلاً عن الحرمان من الزيارة والاقتحامات المتكررة للزنازين والاعتداء على الأسيرات كانت سياسةً متبعةً من قبل الاحتلال وفق مرح، مبينةً أنه تم نقلها إلى العزل الانفرادي في معتقل “الجلمة” مع بدء عملية طوفان الأقصى، حيث كانت مراقبةً بـ 4 كاميرات، والمياه الآسنة تملأ أرضية الزنزانة، وسط تعذيب شديد وتوجيه كلمات نابية لا يمكن سماعها أو ترديدها.

وأكدت مرح أن عزيمتها على مقاومة الاحتلال لن تلين، وأنها ستصبح محاميةً لتدافع عن الأسرى وقضيتهم في المحاكم الدولية، لأن الانتهاكات التي يتعرضون لها كبيرة جداً ويجب وقفها.

الأسير المحرر الطفل أمين العباسي قال: مشاعري مختلطة حزن مع فرح، سعيد بلقاء أهلي، لكني أشعر بالأسى على شهداء غزة، ولأن باقي الأسرى ما زالوا في المعتقلات، الوضع خلف القضبان صعب جداً ، وزادت قسوته مع بدء عدوان الاحتلال على القطاع، حيث تصاعدت عمليات التعذيب التي استشهد جراءها ستة من أسرانا، بينما أصيب المئات بكسور وجروح بالغة دون تقديم أي علاج لهم، إضافةً إلى التجويع الذي تعرضنا له والاستيلاء على مقتنياتنا وملابسنا وأغطيتنا.

الأسير المحرر يزن الحسنات توجه بالتحية للأهل في غزة الذين قدموا الشهداء ودمرت منازلهم، ومازالوا تحت القصف لأجل تحرير الأسرى وعودتهم إلى ذويهم، موضحاً أن الاحتلال اعتقله مرتين، أولاهما قبل أن يبلغ 16 عاماً ،حيث استمر اعتقاله عاماً كاملاً، ثم خرج، وعاود الاحتلال اعتقاله بعد 4 أشهر.

وبين الحسنات أن الاحتلال ضيق الخناق على الأسرى منذ السابع من تشرين الأول، حيث منع عنهم الطعام والماء واستولى على ملابسهم وأحذيتهم وأغطيتهم، ومنع عنهم الزيارة وعزلهم عن العالم الخارجي، لافتاً إلى أن الأسرى يعرفون الأخبار من الأسرى الجدد الذين اعتقلهم الاحتلال منذ بدء عملية طوفان الأقصى وفاق عددهم الـ3200.

وأشار الحسنات إلى أنه كان من المفترض أن يكون على مقاعد الدراسة لنيل الثانوية العامة الآن، لولا اعتقاله مرتين وحرمانه من الدراسة وتوقيف تعليمه عند الصف العاشر، لكنه بعد التحرير يخطط لأن يتابع دراسته ويلتحق بالجامعة.

استشهاد أكثر من 15 ألف فلسطيني في غزة والضفة الغربية منذ السابع من تشرين الأول الماضي، والكارثة الإنسانية التي تسبب بها العدوان الإسرائيلي على القطاع، نغصا فرحة الفلسطينيين باستقبال أبنائهم وبناتهم المحررين، يضاف إلى ذلك مواصلة الاحتلال اعتقال نحو 7000 فلسطيني في زنازينه يتعرضون لشتى أنواع التعذيب الجسدي والنفسي، فهل ستحرك الصور التي عرضتها شاشات التلفزة ومواقع التواصل الاجتماعي للأسرى المحررين، وحديثهم عن معاناة من بقي خلف القضبان، العالم لوقف عذاباتهم، وإنهاء معاناة ذويهم بعودتهم إلى الحياة بينهم.